السعادة في المال و الفضة و الذهب :
إن المال عصب الحياة حقيقية و الكل يشتهي اقتناءه على شتى أصنافه من ذهب أو فضة أو مجوهرات أو أوراق نقدية ، و يرى فيه مصدر عز و علو و مكانة و يحرص على الإستزادة منه دون شبع قال صلى الله عليه وسلم " (لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب).
و قد وردت لفظة المال و مشتقاتها في القران في ستة و ثمانين موضعا على اختلاف المفاهيم التي تشير إليها. إن المال مصدر عز و علو مكانة في نظر ضعاف النفوس قال تعالى: " المال و البنون زينة الحياة الدنيا " الكهف 46
و قال تعالى :" عتل بعد ذلك زنيم أن كان ذا مال و بنين "القلم 13-14
و قال سبحانه " وتحبون المال حبا جما " الفجر 20
و قال تعالى: "وقالوا نحن أكثر أموالا و أولادا و ما نحن بمعذبين " سبأ 35
و قد حرص الناس على اقتناء الذهب و الفضة و كنزهما قال تعالى: " و لولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة و معارج عليها يظهرون و لبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا و الآخرة عند ربك للمتقين " الزخرف 33-35
و نتخرج ببعض المعاني العظيمة و الملاحظات الهامة من هذه الآيات الكريمة؟
الأولى : " إن الأيات الكريمة الواردة في سورة الزخرف تشير إلى افتتان الناس بالفظة و الذهب و تعلهم بحب اقتنائها ، وقد قال المفسرون في تبين معنى تلك الآيات لولا أن يعتقد كثير من الناس الجهلة أن إعطاءنا المال دليل على محبتنا لمن أعطيناه ، فيجتمعوا على الكفر لأجل المال فيصبحون أمة واحدة مجتمعة على الكفر ، لجعل الله لبيوت الكافرين سقفا و سلالم و درجا من فضة عليها يصعدون ، وأبوابا لبيوتهم وأغلاقا و سررا ، كل ذلك مصنوع من الفضة و الذهب وما ذلك إلا من الدنيا الفانية الزائلة الحقيرة عند الله تعالى ، أي يجعل لهم بحسناتهم التي يعملونها في الدنيا مأكل و مشارب ليوفوا الآخرة و ليس لهم عند الله تبارك وتعالى حسنة يجزيهم بها ".
الثانية : في اختيار سقف الفضة لون من الإعجاز العلمي حيث أثبت العلم أنه لا توجد مادة أكثر لمعانا و بريقا و صفاء من الفضة إذا ما سقطت عليها أشعة الشمس نهارا أو الأضواء ليلا بحيث تكون أكثر فتنة لضعاف النفوس و أهل الدنيا .
الثالثة : قدم القران الكريم المال وأخر الأولاد ، لإن الفتنة بالمال أكثر ، ولأنه يعين على تحميل الشهوات المحرمة بخلاف الأولاد فإن الإنسان قد تتفنن بهم و يعصى الله من أبلهم وقد لا يفتن ، ولكن الفتنة بالمال أكثر و أشد.
هذا المال الذي يميل له كل الناس ، ويرون أن السعادة تتحقق بجمعه و به يحصلون على متع الحياة و لذاتها ، رأيهم هذا لا يقوى للإختبار ، لأن في جمع المال و الحفاظ عليه مشقة يقول ابن القيم عن المال " إنه مقرون بالخوف و الحزن فصاحبه حزين قبل حصوله ، خائف بعد حصوله " ، ولتعلق القلب بالمال و حفظه ، فإن صاحبه لا يصبح إلا مهموما و لا يمسي إلا مغموما ، فهو بمنزلة عاشق مفرط قد ظفر بمحبوبة ، و العيون من كل جانب ترشقه ، فأي عيش و لذة لمن هذه حالة وقد علم أن أعداءه و حساده لا يفترون عن سعيهم في التفريق بينه وبين معشوقة فهل حقا السعادة في المال و النعيم المادي ؟؟ لقد وهم ذلك كثير من الناس ، ولو كان حقا لكان أدق الناس به رسولنا الأعظم صلى الله عليه وسلم الذي كان ينام على الحصير حتى يؤثر في جنبه الشريف ، وكان يربطه على بطنه الحجرين من الجوع ، ومات صلى الله عليه وسلم و درعه مرهونة عند يهودي.