﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾، أي قل يا محمدصلى الله عليه وسلم : ربِّ زدني علماً إلى ما علمتني، فأمره تعالى بزيادة في العلم، وأهمّها علم كتابه الكريم؛ إذهو الذي ينتهي عنده كل علم وهو الموصل إلى الترقّي في العلوم والمعارف والمنافع في الدنيا والآخرة، و لذا لم يأمر سبحانه وتعالى من نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بطلب الزيادةفي الشيء إلا في العلم وهذا يدل على فضله وأفضيلة طلبه، فهوأفضل الأعمال،قال تعالى:{يرفع الله الذين ءامنوا منكم والذين أوتوا العلم درجت} فلم يزل صلّى الله عليه وسلم طالبا في الزيادة والترقي في العلم حتى توفّاه اللَّه تعالى. وأمره عزوجل لنبيّه هو أمر لنا كذلك؛ فإن الخطاب وُجّه إليه صلى الله عليه وسلم لأنه هو القدوة والأسوة للأمة بأكملها، ومعلوم أن الخطاب للقدوة خطاب لأتباعه الا بوجود دليل خاص يخصه صلى الله عليه وسلم.فبما أن العمر قصير لا يتيسر الاحاطة بكل العلوم فضلاً عن العمل بها فلابد من الاقتصار على الافضل والاحسن والاكثر صلاحاً يقول الشعبي كما في تهذيب الكمال للمِزِّي : ( العلم أكثر من أن يحصى ، فخذ من كل شيء أحسنه ).فينبغي لطالب العلم أن يأخذ من كل فن أصوله وقواعده ، فإن الإحاطة بالعلوم كلها يكاد أن يكون مستحيلاً ، قال العلامة ابن عثيمين في منظومته في أصول الفقه:
وبعد فالعلم بحور زاخـرة *** لن يبلغ الكادح فيه آخـــره .
وأنفس العلـوم وأشرفهـا وأهمّها المعـارف الدينية مـن العقائـد والأخــلاق والأحكام لأنها أهم مايعرف به الانسان بربّه ودينه وما يضمن له السعادة في دنياه واخرته).
ففي رسالة ابن أبي زيد القيرواني: وأولى العلوم وأفضلها وأقربها إلى الله علم دينه وشرائعه مما أمر به ونهى عنه، ودعا إليه وحض عليه في كتابه، وعلى لسان نبيه، والتفقه في ذلك والتفهم فيه والتهمم برعايته والعمل به. والعلم بالله أصل كل علم ومنشؤه فمن عرف الله حق المعرفة عرف ماسواه ومن جهل الله وجهل ذاته وصفاته واسماءه فهو لماسواه أجهل
قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ} [الحشر: 19].
وقال ابن رجب: أفضل العلم: العلم بالله وهو العلم بأسمائه وصفاته وأفعاله، التي توجب لصاحبها معرفة الله وخشيته ومحبته وهيبته وإجلاله وعظمته والتبتل إليه والتوكل عليه والصبر عليه والرضا عنه والانشغال به دون خلقه.
زادني الله وإياكم تبصرة لما نقول ونسمع، ووفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى، وألبسني الله وإياكم لباس العافية والتقوى.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه اجمعين.